الحالة المدنية بطابع الاستحواذ والمنفعة الضيقة/ بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

أحد, 2016/05/22 - 16:34

تجمع أوساط مطلعة على طبيعة ما يجري في  جهاز وكالة سجلات  الحالة المدنية من تغليب المنفعة الضيقة على المصلحة العامة، إن لم تكن الشخصية بالمعنى الحرفي، من جملة محاصيل هذا الجهاز الحساس، بعد أن استحوذ على وثائق جواز السفر وبطاقة التعريف  من إدارة الأمن الوطني والتأشيرة  من  وزارة الخارجية، ليتحول هذا المرفق إلى ساحة منفعة خاصة ل "أمربيه ولد الولي" ومقربيه فحسب، مع ما يروج له على نطاق واسع من تسريبات تدل على استفادة رأس النظام من هذه الأموال السائبة.

ومن الجدير بالذكر أن ثمة رسوما ذات طابع فوضوي، لا صلة لها بالخزانة العامة، مثل رسوم عقود الازدياد والزواج والوفاة، فهذه الأموال المتحصلة بمئات الملايين من المواطنين تذهب لإدارة وكالة سجلات الحالة المدنية دون رقابة  ولو شكلية من قبل الخزانة العامة للدولة.

أما رسوم جواز السفر،  فقد بلغت حصيلتها، حسب معلومات دقيقة، سنة 2014، أكثر من مليارين ونصف المليار من الأوقية، توجه نسبة 97%  منها  لصالح  حساب الحالة المدنية في الخزانة العامة للدولة، بينما يقتطع المعدل الباقي 3% لتسيير هذا الحساب، هذا عدا عن حصيلة رسوم الإقامات ورسوم إعداد بطاقات التعريف .

  ومن الملاحظ  أولوية هذا القطاع لدى ولد عبد العزيز، الذي تكلم عن وضعيته في خطاب النعمة، 3 مايو 2016، قبل الحديث عن الأم وزارة الداخلية، وكأن إدارة داخل هذه الوزارة السيادية أهم من الأصل والوصي!.

ومن المعروف أن أمربيه يروج أنه ابن عم عزيز ومقربه، ويدفع له مباشرة أحيانا، وقد عمل معه في القطاع الخاص قبل تعيينه له مديرا للحالة المدنية ، ولذلك ظل في منعة من التفتيش، من جميع الجهات المعنية بهذا التفتيش الشكلي غالبا.

فمحكمة الحسابات وكذلك المفتشية العامة للدولة وجميع جهات التفتيش المختلفة غير قادرة على الولوج إلى باب أمربيه في وكالة سجلات الحالة المدنية، ليبقى مدللا مطلق اليد، منذ تسع سنوات تقريبا، فاعلا ما يريد من استحواذ وتصرفات شنيعة محصنة على رأي البعض.

 يلعب بالمليارات من الأوقية ويعمل بعقود وهمية أحيانا، وقد اطلع وزير المالية الحالي على هذا الوضع المالي المثير، فأبلغ رئيسه ولد عبد العزيز أن ثمة عقدا مع شركة أجنبية لتأمين النظام البيومتري، يختلف كثيرا عن مبلغ العقد الحقيقي، الذي يربط  الوكالة بالشركة الأجنبية المذكورة، فما كان من ولد عبد العزيز إلا أن أمر الوزير بدفع ما يريد أمربيه مع إرسال بعثة تفتيش.

ففهم الوزير رسالة التزكية المبطنة، ونفذ الأوامر دون إرسال أية بعثة لتفتيش الوكالة.

 ومن المفيد التذكير به، أن ضريبة العقود بخمسين أوقية فحسب، كانت أيام الرئيس السابق معاوية تطلب رمزيا دون وجه إلزام ولا تدفع نقدا وإنما من خلال شراء طابع بريدي، يدفع لصالح الخزانة العامة، مقابل عقود الازدياد والزواج والوفاة، ولصالح حساب البلديات لدى الخزانات العامة،  وتشترى منها بعض المستلزمات المكتبية البسيطة لصالح تسيير مراكز الحالة المدنية ورغم محدودية المبالغ المتحصلة من هذه الخمسين أوقية الرمزية، كانت تساعد في تسيير 216 بلدية على عموم التراب الوطني، أما اليوم فمحاصيل مستخرجات أحداث الحالة المدنية فبمبالغ ضخمة، ومنفعتها في حيز ضيق.

وإذا افترضنا أن الحالة المدنية ضبطت نسبيا، فلصالح من؟.

فثمة لوائح معروفة أهلها مشكوك في هويتهم، ويقول البعض بأنهم سجلوا سنة 2009 لتأمين كفة المرشح ولد عبد العزيز، وتحت رقم مكشوف الدلالة ينتهي بالرقم(2009) .

وكان هذا الإحصاء الاستعجالي تحضيرا للانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل سنة 2009.

كما أن هذه الحالة المدنية عموما ترهق المواطنين نفسيا وماليا إلى أقصى حد، عبر رسوم خيالية لصالح جهة الجباية الأولى، امربيه وعزيز ربما، على حساب المواطن والصالح العام.

كما أن إضعاف مداخيل إدارة الأمن والداخلية وإظهار إدارة أهم من الدولة كلها، تعميق صريح للقبلية في سياق تسيير الدولة، وإهانة لا تحتمل للجميع، لم يجرؤ عليها رئيس أو متغلب من قبل.

وأصبحت بعض المهام،داخل هذا القطاع المتعجرف الثقيل والذي يتطلب داخله أعصابا من حديد ،  مجرد اختلاق وإبداع استبدادي  لإدرار مزيد من الدخل الفوضوي الابتزازي الخيالي، مثل رسوم التصحيح المرتفعة ووثائق مدنية خاصة بالأطفال والصبيان، بدلا من إلحاقهم بآبائهم، كما هو الحال سابقا.

ومما يعتبر مغلقا تقريبا في وجه المواطنين إصلاح تاريخ الميلاد، كما أصبحت الأسماء بنكهة أجنبية، أخلت بطبيعتنا العائلية وهويتنا الخاصة، دون أن يكون هناك حتى مجرد قانون يسمح بهذا التغيير الجذري، الذي اختفت إثره "ابن، ولد، بنت". وما حصل عموما من ضبط مدعى في الحالة المدنية لا يخلو من استنزاف أموال الدولة، دون تفتيش، وابتزاز واغتصاب أموال المواطنين، وسط حالة من الذهول والانحدار المؤذي المقلق.

فإلى متى هذا الطغيان والتلاعب بأهم ركن في حياة الدول والمجتمعات المعاصرة !؟.